الخميس، 17 أغسطس 2023
لغةُ الإعجاب وسريالية التصفيق
د. نعيم الملكاوي
16-08-2023 11:21 AM
في غمرة من هزيع العيش يعلو منصات الوطن اشخاص تحتار مع فطرتك في أي خانة هم جالسون ... عندما نرى إنجازًا مذهلًا أو يطرق سمعنا فعل بارز ، يتسارع نبض القلوب ويتصاعد الإعجاب والتقدير في داخلنا بحركةً عفويةً تهتزُ لها أكفَّنا همسًا بالثناء ، وعلى شفتينا ابتسامة ملؤها الإعجاب ، إنها لحظات نعبِّر فيها عن انبهارنا وتلمع أعيننا لها تعبيراً حياً للتواصل الإنساني ، انها لعمرك عملة ثمينة يتداولها الشرفاء ويغزو خزائنها فئرانٌ تصدرت ازقتها وكراسيها.
إنه عالمٌ مليء بالتناقضات والتحديات الأخلاقية ، نجد أنفسنا أمام مفارق طرق ومتاهات حلزونية : إما أن نرفع الأكف بتقدير حقيقي تجاه من يستحقونه ، أو أن نستخدم هذه الرمزية كأداة لأهداف سطحية تخدم مصالح شخصية .
التصفيق والإعجاب تعبيران من أبسط وأقدم وسائل التواصل الإنساني . تجمع بينهما خيوط التقدير والاحترام لمن ضحّوا وأبدعوا ، انها لغة تصل إلى القلوب بتخطي الحواجز ومعاجم اللغة تحمل في طياتها مسؤولية كبيرة تشكل رمزية لا تعتمد على الكلمات فقط ، وليست مجرد أصوات أو تعابير جسدية ، بل ترسيخ للقيم والمعايير التي يؤمن بها فاعلوها ، تمتد إلى التوافق في المشاعر والمواقف المبنية على المبادئ والعقائد من عدمها .
عندما نحيّ الجندي لبطولاته ، ونصفّق للفنان لأدائه ، والباحث على اكتشافاته ، والناشط على أعماله ... أو للسياسي على صدق أقواله وتطابق أفعاله ، فإننا ننقل لهم بلغة خاصة مدى انسانيتنا المبنية على احترام جهودهم وتعبير عن التقدير الحقيقي والتغني بواقع انجازاتهم .
لكن يأتي السؤال بمجموعة من الهلهلات :
هل ، فكرنا يومًا لماذا نقف عندما نصفّق ونبدي الإعجاب ؟
هل ، نقف مصطفين في طابور الإعجاب فقط لمن يشهرون أسماءهم وأعمالهم في وسائل الإعلام ، أم أن هناك قصصًا أخرى في الظل تستحق أيضًا أن نرفع هاماتنا لها ؟
هل ، هذا هو الوحيد الذي يستحق التصفيق والإعجاب ، وما هي أثاره ؟
هل ، نحن ملتزمون بإنسانية الإعجاب لمن يستحقه ، أم خالطها التزلف والنفاق ؟
هل ، تسلل النفاق واستوطن بيننا وبين تلك اللحظات النقية و انزلق البعض في بوتقة التفاهة والإعجاب السطحي ؟
أسئلة مشروعة وهواجس تخالج أصحاب الألباب السوية والفطرة النقية ....
في عالم يشهد تحولات سريعة و توازنات هشة ، يصبح من السهل تحويل الثناء إلى أداة للتزلف والنفاق . قد يصبح التصفيق وسيلة لاكتساب العيش وتأييد الآخرين ، سواءً للبهرجة الاجتماعية أو لأغراض مادية ... فيقرع جرس الإنذار هادراً ، نصفّق لمن ، وهل نبدي الإعجاب بحذر ووعي ، ومن يتحمل مسؤوليته الأخلاقية والاجتماعية .
يجب أن نصفّق بجدارة ونبدي الإعجاب بكبرياء ، خيراً من الانغماس في مستنقع الزيف والنفاق ، بالتصفيق الحقيقي يُشع من قلبنا نورٌ يعبر عن مبادئنا ، ويخلق تواصلاً لا يعتمد على الكلمات ، بل يمتد إلى التوافق في القيم والمشاعر .
لتكن هذه الأفعال المتواضعة مدخلًا لتعزيز قيم النزاهة والأخلاق ، معبرة عن احترامنا وتقديرنا لأنفسنا اولاً ، و غاية لنقل رسائل إيجابية تعزز من روح العمل و التفاني ثانياً .
في الختام، لا تكونوا جـوقـةً لمخلفاتِ حــربٍ غير شريفة ، فجنودُ الوطن جاهزون لكل النهايات ، ليبقى الســؤال الأجــــدر بالوعي : متى ولمن نصفّق ؟
صمت الأنين
10 أغسطس 2023
د. نعيم ملكاوي
في أعماق الصمت يكمن أنين الرفض الجامح والصراخ العميق الذي لا يُسمع مترددًا في أروقة الأوجاع و زوايا الألم ، عندما يختار الشعب – الذين تعذّرت عليهم معاجم الكلمات للتعبير عن الغضب وابداء الرأي – يكون الصمت لغة العمل السياسي، قوة لا تُقهر يرتجف لها العالم وترتعد السلطات .
صوت الصمت ليس مجرد فراغ في الكلام او امتناع عن ترتيل الحروف ، بل هو صرخة نارية تعبّر عن رفض صلب معاند لكل ما يُنتهك به الحق وتُتجاهل به العدالة .
إنه الصمت الذي يشهد على جبروت القلوب وحداثة الأرواح ، المترجم للغة للمظلومين المتجاوزين حاجز الكلمات صوب الفعل الحي المحلِّق .
يأخذ الصمت عنوان الرفض عندما يتحول إلى منصة للصامتين الساكبين فيها جمرات الاستيقاظ و ندى الوعي ، وقودًا يُشعل نيران التغيير وينير دروب الحرية التائهة .
عندما يصمت الشعب تحت وطأة الإسكات والتحييد ، لا يكون ذلك انكسارًا بل تسامي لا يُغلب و مسيرًا لا يَرهب، وصمودًا لا تختزله كُليمات ، بل حالة تنمو في بحر لُجي حتى يخترق سناها الفضاء المُحاصَر.
الصمت في سياق العمل السياسي يتحول إلى لغة تجمع بين الوعي والرفض والتحدي منبعِثًا من عمق الوجدان الكسير ويصبح ترجمة لمشاعر الصحوة والتمرّد ، فيكون عندئذٍ سلاحًا ناعمًا يستخدمه أهل الصمت لشن هجومهم ضد من كانوا سبباً في تصنيمهم.
في زمن تراجعت فيه القيم واختزلت العدالة ، يصبح الصمت صرخة تعلو فوق أصوات الجبروت والفساد ، إنها صرخة تحث على تجاوز حدود الخوف وتحدي غياب العدالة بكل أشكالها ، فبعُلوِّ صوت الصمت ، يَختزلُ المجتمع أحلامه وآماله في تحقيق عالم أفضل وتكافؤ الفرص ، ويتحول إلى قوة لا يستهان بها في تغيير الواقع و بعث الحياة فيه من جديد .
في النهاية اقولها ، عندما يرتفع صوت الصمت ، يُراهَن على تفاوت المواقف ، تعبيرًا عن إرادة شعب قرر أن يتحدث من خلال عدم الكلام ، ليصبح الصمت قوة محركة تتغلب على الظروف وتغير كل قاتم قائم .
إنه الصمت الذي يعلو ليُذكِّرَ العالم بأن القوة لا تكمن فقط في الأصوات ، بل في الإصرار والعزيمة الجاعلة من الصمت بركاناً من ثرثرة لا تخمد وصدى لا يمكن أن يكبت فورانه الف جدار و سجَّان ، و عندئذ لا بد من وقفة يكون فيها الوطن الوسيلة و الغاية .
تلك لغة الصمت ذات الحروف المبعثرة ستتشكل كلماتها يوما إيذانا لفجر جديد يعتدل فيه ميزان الحق و ترجح فيه كفة الصمت على ضجيج من يراهن على طول البقاء و النعيم .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)